لا شك بأنك سمعت عن شراء
فيس بوك لخدمة Instagram مُقابل مليار دولار،
وتتساءل عن السر وراء دفعها لكل هذا المبلغ. هذا الرقم والذي يظهر بأنه
مُبالغ فيه، خاصة وأن الخدمة متوفرة على الهواتف وعلى الهواتف بشكل حصري
والتي لم تكمل عامين اثنين والتي لا توظف سوى 9 موظفين كما أنها لم تُطلق
نسخة Android إلا مؤخرا. رغم ذلك فإنها تملك 40 مليون مستخدم،
بطبيعة الحال سينضم هذا الإعلان إلى قائمة الشركات التي
تُضخًّم قيمها السوقية بشكل كبير جدا. لكن ماذا لو أردنا فهم أسباب تخصيص
فيس بوك لهذا المبلغ الكبير لشراء هذه الخدمة، وماذا لو أردنا فهم الأمر من
منظور حربها المُعلنة (هل هي كذلك؟) مع Google؟
ياهوقد يبدو للوهلة الأولى بأن هدف فيس بوك من وراء شرائها لخدمة
Instagram هو رغبتها في تقديم أفضل ما يتوفر حاليا في سوق تشارك الصور من
خدمات لمستخدمي شبكتها، ويمكن أن نلاحظ ذلك في الحماس الذي أبدته كلتا
الشركتين في الإعلان عن هذه الصفقة، لكن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك (أو على
الأقل لا يتعلق بذلك فحسب)، بل يتعلق الأمر باستراتيجية دفاعية مبنية على
النقاط التالية والتي سنشرحها في هذا المقال:
- المنافسة التي تزداد شراسة مع Google فيما يخص الشبكات الاجتماعية والخدمات المتعلقة بالهواتف.
- الحاجة إلى إرسال إشارات قوية وإيجابية للبورصة وهذا أسابيع قليلة قبل دخولها الفعلي إليها.
- فشل MySpace التي لم تستطع اتخاذ القرارات الاستراتيجية المُناسبة وتطوير خدمتها.
- فشل فيس بوك سنة 2008 في شراء تويتر، والذي قد يكون من بين أسبابه
الرئيسية عدم تقديم فيس بوك لمبلغ كاف لإقناع مؤسسي تويتر، إَضافة إلى
فشلها في استباق الصعود القوي والمستمر لتويتر والتي أصبحت منافسا قويا
لها.
لكن، ما هو Instagram؟على خلاف السعر الكبير الذي دُفع من أجلها فإن خدمة Instagram
ليست بتلك الخدمة الأسطورية في حد ذاتها، وبالتالي فإن المليار دولار الذي
دفعته فيس بوك ليس ثمنا لتقنية فريدة من نوعها لن تجدها في مكان آخر، أو
لخبرة مطورين يعز أن تعثر عليها في شركات أخرى.
اعتُبرت Instagram ولوقت طويل تطبيقا خاصا بنظام iOS عرف كيف
يجد طريقه إلى هواتف مُعجبيه. لو أردنا تعريف الخدمة في جملة واحدة لقلنا
بأنها شبكة اجتماعية مركزة على الهواتف وعلى تشارك الصور (إضافة إلى الفيديوهات). تختلف على FlickR، Picasa أو حتى Pinterest، بعدم
اعتمادها على مفهوم الألبومات، أو على تشارك الصور مع مجموعة معينة من
الأصدقاء، لكن تسهل من مهمة تشارك صور يتم التقاطها عادة بشكل مُباشرة من
خلال الهواتف ونشرها بعد إضافة بعض التأثيرات عليها.
كما أن الخدمة ليست موجهة بشكل حصري لفئة معينة من المستخدمين
أو لمحترفي التصوير، كما يستخدم التطبيق أطياف مختلفة من المستخدمين، فنجد
عليها مثلا المغني Justin Bieber، الرئيس الفرنسي Nicolas Sarkozy أو
المترشح لنفس المنصب François Hollande، إضافة إلى شركات مثل AirFrance،
Burberry، Levi’s وغيرها.
هذا باختصار هو تعريف عام لخدمة Instagram. دعونا نعد إلى النقاط آنفة الذكر.
التهديد رقم 1 لفيس بوك: Googleلا يخشى Mark Zuckerberg سوى من أمر واحد: أن يرى وليده الذي
أفنى سنوات عديدة عليه وهو متجها ليلقى نفس المصير الذي لقيته MySpace، أو
أن تتمكن Google من افتكاك المكانة التي يحتلها الآن.
من ناحية Google، فإن الإخفاقات المتوالية في مجال الشبكات
الاجتماعية، ونقصد هنا إخفاقات Google Buzz و Google Wave يدفع إلى
الاعتقاد بأنه بالرغم من شعبية مختلف خدماتها فإنها تجد صعوبة في إيجاد
موضع قدم لها في مجال الشبكات الاجتماعية.
لكن بدأ الأمر يأخذ منحى آخر منذ إطلاق Google+ العام
المنصرم. إن كنت ممن يتابع تطورات هذه الشبكة الاجتماعية ويقرأ مختلف
المقالات التحليلية التي تصدر حوله فإنك قد وَعَيت -ومن دون شك- بأن
المقارنة ما بين خصائص Google+ وفيس بوك من حيث مبدأ الشبكات الاجتماعية هو
أمر خاطئ، كما أن تلك المقارنة تحجب نقطة في غاية الأهمية، ويتعلق الأمر
بالمعركة التي تدور رحاها ما بين الشبكتين حول
الهوية الرقمية.
Google+ عبارة عن طبقة اجتماعية تمت إضافتها إلى جميع خدمات
Google والتي تعتبر الاستراتيجية الجديدة التي تنتهجها Google، والتي لا
تعتمد بشكل أساسي على البحث، وإنما على الجانب الاجتماعي.
وعليه فإن الحصول على Instagram هي الطريقة المثلى لقطع
الطريق أمام Google (وحتى أمام تويتر) الذين كان بإمكانهم إضافة إلى مجمل
خدماتها. الجدير بالذكر بأن Google كانت تملك مشروعا مماثلا لخدمة
Instagram عُرف باسم Pool Party والتي وُلدت ميتة: Pool Party : Google has their own secret photo-sharing app too.
خلال شهر نوفمبر 2010، بين Robert Scobble الأسباب التي تمنع Google من بناء خدمة مُماثلة لخدمة Instagram والتي في مجملها أسباب تتعلق بهيكلة الشركة وبطريقة عملها Why Google can’t build Instagram.
أضف إلى ذلك، فإن المنافسة ما بين الشركات قائمة أيضا على الاستراتيجيات
التي تتبعها والتي تركز على شراء الشركات الأخرى، مثلما سبق وأن عرفناه ما
بين Microsoft و Yahoo، وبالتالي فإن أي دراسة تحليلية لشراء فيس بوك لخدمة
Instagram يجب أن تأخذ هذا الأمر في الحسبان.
التهديد رقم 2: مصير مُماثل لمصير MySpaceلا ترغب فيس بوك في أن يكون مصيرها مماثلا لمصير MySpace
والتي أصبحت جزءًا من الماضي، قبل أن تقوم منذ عدة أشهر بمحاولة تغيير
اتجاهها والتحول إلى ما أصبح يُعرف بالتلفزة الاجتماعية Social TV. يُعاب
على فيس بوك بأنها كثيرة التغيير، ويمكن العودة بالزمن بأسابيع قليلة حين
تم إطلاق الخط الزمني TimeLine الجديد والذي أثار انزعاج الكثير من
المستخدمين. لكن فيس بوك تجد نفسها مضطرة لإحداث تغييرات بشكل مستمر، حيث
أنها فهمت بأن التغييرات المستمرة يعطي الانطباع بأن الشركة في تطور مستمر،
مما يعني أن الجميع يتحدث عنها. شراء Instagram، إضافة إلى الجانب الذي
يخص قطع الطريق أمام الخدمة لتنافسها يوما ما، تتوافق مع رغبة الشبكة في
الحصول على اهتمام وسائل الإعلام بشكل مستمر. كلما كثر الحديث عن فيس بوك،
كلما اشترت فيس بوك شركة أخرى، أطلقت خدمة جديدة، أو أحدث ضجة إعلامية،
كلما قل الحديث عن منافسيها وعن Google على وجه الخصوص (رغم أنها أحدث هي
أيضا زوبعة بإطلاقها التحديثات الجديدة لطبقتها الاجتماعية: Google تكسي طبقتها الاجتماعية Google+ حُلّةً جديدةً).
لا تنسوا بأن الإعلان عن شراء Instagram يدخل ضمن التحضير
للدخول إلى البورصة، إنفاق مثل هذا المبلغ هي إشارة قوية حول الصحة المالية
للشركة، مما سيطمئن حاملي الأسهم القادمين في الشركة.
التهديد الثالث: خدمة جديدة تفرض نفسها على الساحةالسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، هو أليس هدف فيس بوك من
شرائها لخدمة Instagram هو مُحاولة “قتلها” قبل أن تُصبح مُنافسة قوية لها،
يعني تمام مثلما فعلته لخدمة Gowalla والتي أغلقتها فيس بوك واحتفظت بفريق
التطوير الخاص بها، ومثلما فعلته لخدمة Friendfeed والتي تعتبر تقنياتها
أحد المبادئ الرئيسية لفيس بوك. ما يدفع إلى هذا الاعتقاد هو النمو الرهيب
والمستدام في آن واحد لأعداد مستخدمي التطبيق (وهو المصير الذي قد لا تعرفه
خدمة Pinterest مثلا).
بالرغم من أن البيانات الصحفية التي نشرتها كلتا الشركتين
تعلن بأن الخدمة ستبقى مستقلة… إلى أجل غير مسمى، لكن يجب على الأقل
الانتظار لبضعة أشهر حتى نتأكد من الأمر.
تذكروا أيضا بأن كلا من فيس بوك وGoogle حاولتا وطيلة أشهر
طويلة مراودة تويتر لشرائها، قبل أن تقرر هذه الأخيرة رفض هذه العروض
والاحتفاظ باستقلاليتها.
إضافة إلى هذه التهديدات الثلاث التي تفسر أسباب شراء فيس بوك
لخدمة Instagram وفهم الاستراتيجية الدفاعية التي اتخذتها الشبكة
الاجتماعية، يمكن أيضا أن نقرأ ما بين السطور لنلحظ وجود استراتيجية أخرى
هجومية، حيث أن شراء خدمة تعتمد على الهواتف بشكل أساسي، ولا تملك أية خدمة
على الويب توحي بأن المعركة الحقيقة حاليا تجري على الهواتف وليس على
الويب. Instagram لخير دليل على عدم الحاجة إلى موقع ويب لتأمل الشركات
الناشئة أن تتم شراؤها مقابل مبالغ خيالية.
لكن قد يكون التهديد الذي يجب أن تلقي له فيس بوك بالا هو
الانطباع الذي تعطيه عن نفسها، حيث أصبح الكثيرون يقارنون رغبتها في
الهيمنة على الويب بشركة Microsoft، وخير دليل على ذلك تلك الانتقادات
الحادة التي وُجهت للشركة بسبب شرائها لخدمة